خسر الأهلي لقبه الإفريقي أمام فريق قوي ومحترم يملك أدوات البطولة, مهما كان شريط المباراة يقول إن بطل مصر سيطر واستحوذ, فقد انتهي اللقاء بفوز النجم الساحلي1/3.. سجل له عفوان الغربي في الدقيقة الأخيرة من الشوط الأول, وأضاف أمين الشرميطي الهدف الثاني وموسي ناري في الوقت المحتسب بدل الضائع!
لم يحتسب العرجون ضربتي جزاء للأهلي في الشوط الثاني, واحدة لأبوتريكة والثانية لشديد قناوي, وليس ذلك مبررا للخسارة التي مني بها الأهلي, فأسوأ النقد هو تبرير الهزيمة, لأن النجم الساحلي لعب بتكتيك جيد, ونجح في هز شباك الأهلي ثلاث مرات.. مبروك للبطل الجديد, وهارد لك للبطل السابق كفاحه ونضاله طوال95 دقيقة عاني فيها ظروفا غير طبيعية, أبرزها الضغط النفسي, والعصبي, ودرجة الصعوبة, وبراعة الفريق المنافس وحيويته, وهدوء أعصاب لاعبيه.. وهم يلعبون وسط حشد من جماهير الأهلي!
إنها الرياضة ـ وإنها كرة القدم ـ ففيها أحيانا دراما, وليس بالضرورة أن ينتهي الفيلم بفوز البطل وانتصاره, وهذا فيلم هندي, بكل مافي تلك الافلام من دراما لاتصدق, فطوال الأيام السابقة علي المباراة الأخيرة في نهائي دوري رابطة الابطال الإفريقي, لاحديث في شارع الكرة المصرية سوي عن فرصة الأهلي في إحراز اللقب للمرة الثالثة علي التوالي, والسفر إلي اليابان للمرة الثالثة علي التوالي, والارقام القياسية التي تنتظر حامل اللقب الإفريقي عند الفوز علي منافسه النجم الساحلي.. لكن كل السيناريوهات المكتوبة لم تحسب غدر الكرة
وسوء حظ الأهلي, وبراعة الفريق التونسي ومهارات لاعبيه, فقد أضفي هدف عفوان الغربي في الدقيقة الأخيرة من الشوط الأول علي المباراة صعوبة, وعلي حامل اللقب صعوبة, وعلي أعصاب الجماهير مصاعب لا أستطيع أن أترجمها بكلمات, وأنا شخصيا مثل الملايين توترت أعصابي واحترقت, تخليت عن احترافي المهنة, وتحولت إلي مشجع يهتف ويقف ويجلس ويصرخ!
التساؤلات دارت بين الشوطين في المدرجات: هل أخطأ جوزيه بهذا الاندفاع الهجومي ؟ هل كان يجب أن يبدأ اللقاء بحذر.. ويزيد عدد لاعبي الوسط ؟! كان منطقيا أن يندفع المدرب البرتغالي, واندفاعه كان يمكن أن يسفر عن هدف مبكر.. وكان منطقيا أن يندفع الأهلي في الهجوم طوال الشوط الثاني ولكن الفريق دفع ثمنا باهظا لهذا الاندفاع الاضطراري.. فعلا وما الملعب إلا مسرح كبير مثل الحياة!
فيلم المباراة**(1): الأهلي يلعب مبارياته بطريقة3/4/3.. وبدأ المباراة بنفس الطريقة ومدربه مانويل جوزيه قادر علي تغييرها وفقا لظروف المباريات التي يخوضها, وغياب بركات أهم لاعبي الأهلي كان له تأثيره علي مناورات الوسط, لأنه لاعب يصعب مراقبته, ربما يمكن مراقبة أبوتريكة, أو فلافيو ومتعب, أو التصدي لانطلاقات جليبرتو.. لكن بركات لا.. صعب, لفارق السرعة بينه وبين الجميع, وهو صاحب الفرصتين اللتين لاحتا للأهلي في تونس..
لكن الأهلي كان إيجابيا في الاستحواذ وفي صناعة الفرص, سواء عن طريق جليبرتو من اليسار أو الشاطر من اليمين, أو من العمق, ومن تمريرة طولية لأبوتريكة إلي متعب كاد الأهلي يسجل هدفا مبكرا, إلا أن المثلوثي لمس الكرة لتضرب في العارضة, يالها من براعة للحارس التونسي, وياله من سوء حظ لمتعب صاحب الجهد الحقيقي والمؤثر!
**(2) بدأ النجم الساحلي بطريقته المعتادة2/1/3/4 عند امتلاك الكرة, ثم إلي1/5/4 عند فقد الكرة, والتراجع إلي دفاع المنطقة, علي أن يضغط لاعبو الوسط موسي ناري وعفوان ونفخة, مقدما ليمنعوا الأهلي من بناء الهجمات مع الاعتماد علي الهجمات المرتدة المرسلة إلي أمين الشرميطي.. وقد نقل مدرب النجم مارشان قائد الفريق صابر بن فرج إلي الناحية اليسري للتصدي لجناح الأهلي المتأخر جليبرتو..
فيما اعتمد علي لاعبه البنيني أو جمبي كي يصنع الهجمات المرتدة, بسرعة التمرير ولمسته الفنية المتقنة, ومن إحدي الكرات الخطيرة تصدي الحضري لكرة قبل أن تصل إلي الشرميطي, وقد كان النجم يجيد تلك اللعبة شأن فرق الشمال الإفريقي كلها حين تلعب باستاد القاهرة..!
**(3) أصعب المهام في كرة القدم هي السعي إلي التهديف أمام فريق يجيد الدفاع ويتميز بالمستوي التكتيكي المرتفع, لكن الأهلي نجح في نصف الساعة الأولي في أداء مهمته, بشكل كبير, بتنويع مصادر الخطورة, لاسيما الاختراقات من العمق بواسطة فلافيو ومتعب وأبوتريكة ولاحظ هنا أن حامل اللقب لا يلجأ للتحضير العرضي الطويل, فلا وقت يضيع في مباراة نهائية كبيرة مثل تلك, بينما مارس لاعبو النجم الساحلي وسيلتهم المشروعة في استهلاك الوقت, مثل السقوط من أول لمسة وهمسة, من جانب أي لاعب من الأهلي, ولا مانع من السقوط دون لمسة من المنافس, فالوقت في النهائي من ذهب!
**(4) الوقت كان يمضي بسرعة البرق في الشوط الأول, وأشعر بالأعصاب وهي تحترق في المدرجات, فالأهات تتعالي مع كل مرة نلمح فيها رائحة الخطر هنا أو هناك, في الأولي فرحا, وفي الثانية جزعا ويمكن هلعا, حيث تتعالي صفارات الإنذار والتشويش من الجماهير, يقترب لاعبو الأهلي وتحديدا متعب و فلافيو وأبوتريكة من صندوق النجم الساحلي كثيرا, وهو يساوي صندوق الدنيا الساحر الذي كان يبهر أطفالنا زمان.. يقترب لاعبو الأهلي كثيرا لكن ها هي رائحة المرمي.. فأين الأنوف التي تشم.. وتسجل؟!
**(5) قبل أن يسدل الستار علي الشوط الأول تجلت دراما كرة القدم, في هجمة بدأها جيلسون دا سيلفا من أمام صندوق الأهلي ومرر الكرة إلي صابر بن فرج الظهير المتقدم ليرسلها عرضية بدوره إلي عفوان الغربي القادم من الخلف ويحولها مباشرة في مرمي الحضري مسجلا هدفا لفريقه وسط حالة من عدم التصديق في المدرجات, مدرجات الأهلي, ومدرجات النجم, فمن كان يصدق أن الفريق التونسي سيبادر بالتسجيل عكس السيطرة وعكس اتجاه اللعب؟!
يصدق من يعرف كرة القدم, ومن يدرك أنها لعبة لا تصلح فيها التوقعات, ولا السيناريوهات التي تكتب علي أوراق الصحف والشاشات والميكروفونات.. كانت نهاية درامية للشوط الأول..!
لاتقرأ هذا الفيلم!**(6): وما الملعب إلا مسرح كبير.. تذكرت فنان الشعب يوسف وهبي وهو يردد جملة شبيهة, عن الدنيا ويراها مسرحا كبيرا.. لكنها تصلح لكرة القدم, إنها الحياة, فمن كان يتصور ويتخيل أن يرد عماد النحاس بضربة رأس انطلقت كقذيفة مدفع نحو مرمي المثلوثي, في الدقيقة49 من المباراة ليتعادل الأهلي, لكنها ليست بداية جديدة للقاء, وإنما هي بداية أشد صعوبة, لأن هدف عفوان الغربي يمنح اللقب للنجم, وفقا للائحة الذهاب والعودة, أكره تلك اللائحة الآن!
**(7): ضغط الأهلي بعد الهدف وتحسن أداء الوسط لفترة, بعد اشتراك حسن مصطفي بدلا من إسلام الشاطر, فقد زود جوزيه عدد المهاجمين, وعدد لاعبي الوسط.. وتغاضي العرجون عن ضربة جزاء صحيحة لأبوتريكة, حين دخل الصندوق التونسي, وتعرض لعرقلة, ثم أخرج لنا كاتب هذا السيناريو مفاجأة من البرنيطة, حين راوغ الشرميطي ليبرو الأهلي النحاس فعرقله, وطرده الحكم بلاتردد, ليلعب الفريق بعشرة لاعبين بدءا من الدقيقة60 ويسدد الشرميطي السريع قذيفة من ضربة حرة مباشرة تتجه مثل' صاروخ تاو' إلي العارضة, فتسكت الأنفاس, وتسمع صوت الصمت في المدرجات..!
كان أمام الأهلي نصف ساعة من النضال, والبحث عن وسيلة لتعويض النقص في الصفوف وفي الوقت نفسه متابعة الهجوم والضغط بحثا عن هدف الأحلام.. ألم أقل لكم إنها مباراة درامية ؟!
**(: سحب مارشان عفوان الغربي ودفع باللاعب مجدي تراوري وهو لاعب وسط مدافع, بينما دفع جوزيه بأحمد صديق, بدلا من أنيس بوجلبان, لفتح جبهة من الناحية اليمني, فالكرات العرضية تبقي أحد الحلول.. إلا أن تكتيك الأهلي أصابه الارتباك, فقد عاد حسام عاشور إلي خط الدفاع الخلفي, ونقص عدد لاعبي الوسط واحدا.. وأصبح من الضروري مضاعفة الجهد من جميع اللاعبين لتعويض ذلك!
**(9): وسط النجم الساحلي متفوق, مع ملاحظة أن إفساد الهجمات أسهل من بناء الهجمات.. وهناك فروق في السرعات, أين أنت يابركات ؟
خرج جلبرتو ولعب شديد قناوي, وأنهي الأهلي تغييراته في الدقيقة..76 وكلما يبدو أن حامل اللقب يقترب من تغيير النتيجة يرفض العرجون, فهو لايحتسب ضربات الجزاء, ألم تكن ضربة تلك التي تعرض فيها شديد قناوي للدفع داخل المنطقة من أوجمبي ؟!
**(10): فيلم المباراة أصبح عامرا بلحظات الرعب في الدقائق الأخيرة, فالأهلي يندفع بنضال وكفاح في هجوم جارف ويجد مساندة من جماهيره المحتشدة بالمدرجات, إلا أن هذا الاندفاع ترتب عليه بالطبع وجود مساحات في دفاعات حامل اللقب حتي تلك اللحظة قبل خمس دقائق من نهاية المباراة, ويجيد الشرميطي وسليفا لعبة هات وخد أمام صندوق الأهلي.. ولايمكن التخلي عن المغامرة الهجومية, لكن الفريق دفع ثمنا باهظا لهذا الاندفاع واهتزت شباكه لأول مرة في مباراة نهائية بثلاثة أهداف!
وتمضي الدقائق بسرعة الثواني, ويطلق العرجون صفارته معلنا تتويج النجم الساحلي بطلا لدوري رابطة الأبطال الإفريقي لأول مرة.. وأنظر حولي فأري الدموع في الأعين.. دموع الحزن في أعين أكثر من70 ألف متفرج مصري, ودموع الفرح في أعين ألفي متفرج تونسي!